المغرب وإسرائيل.. 6 عقود من التعاون (تسلسل زمني)

المغرب وإسرائيل.. 6 عقود من التعاون (تسلسل زمني)

  • المغرب وإسرائيل.. 6 عقود من التعاون (تسلسل زمني)
  • المغرب وإسرائيل.. 6 عقود من التعاون (تسلسل زمني)
  • المغرب وإسرائيل.. 6 عقود من التعاون (تسلسل زمني)
  • المغرب وإسرائيل.. 6 عقود من التعاون (تسلسل زمني)

اخرى قبل 3 سنة

 

المغرب وإسرائيل.. 6 عقود من التعاون (تسلسل زمني)

العلاقات السياسية

 

الحسن الثاني، ملك المغرب.

منذ اعتلاء الملك الراحل الحسن الثاني عرش المغرب ظل خيط رفيع (خيط "أريان" حسب التعبير الفرنسي) يربط بين الرباط وتل أبيب، ولم ينقطع يوما، حتى في أوج الصراع العربي – الإسرائيلي وغليان الشارع المغربي بهذا الخصوص. علما أن مغاربة إسرائيل ظلوا يلعبون دورا مهما في الاحتفاظ بهذا الخيط الرفيع قائما، كيف لا وعددهم يناهز 700 ألف إسرائيلي من أصل مغربي، وهو الأمر الذي تكون له تأثيراته وتداعياته على الصعيد الاقتصادي كذلك. وقد سبق للكثير من المسؤولين الإسرائيليين أن عبروا عن استمرارهذا الخيط الرفيع بين البلدين، إذ سبق بنعمي شالوم (وهو من مواليد طنجة تقلد وزارة الأمن والداخلية الإسرائيلية) أن قال: "إن الملك الحسن الثاني كانت له نظرة برغماتية ثاقبة ببعدين، السعي إلى الاقتراب من الغرب والتوق لربط علاقات منتجة بين اليهود والمغرب". كما صرح "سيلفان شالوم"، وزير الخارجية الإسرائيلي، قبل زيارته للمغرب في نوفمبر 2005، للإذاعة الإسرائيلية قائلا: "تبعا لاتصالات سرية ولقاءات مع مجموعة من الوزراء المغاربة يتضح أن المغرب قرر إعادة ربط علاقات مع إسرائيل"، وقبله كان "شالوم كوهن"، المدير العام للشؤون الخارجية الإسرائيلية، قد قام بعدة زيارات إلى المغرب في سرية تامة.

 

كما قامت عدة وفود مغربية، رسمية وغير رسمية، بزيارات عمل إلى الدولة العبرية، وكذلك دأب مسئولون ورجال أعمال مغاربة على لقاء نظرائهم الإسرائيليين سواء بإسرائيل أو خارجها، ولعل آخر لقاء من هذا النوع جرى في يوليوز 2007، بين محمد بنعيسى والطيب الفاسي الفهري وياسين المنصوري وبين وزيرة الشؤون الخارجية الإسرائيلية بالعاصمة الفرنسية، باريس.

 

ومنذ أن كان الملك الراحل الحسن الثاني وليا للعهد، قال: "(...) لو كنت مكان الدول العربية، لاعترفت بإسرائيل ولقبلت عضويتها بالجامعة العربية (...) لأنها، على كل حال، دولة قائمة ولا يمكن إزاحتها" (كتاب "ذاكرة ملك"، ص 245 الطبعة الفرنسية). وفي القمة الإسلامية المنعقدة بالدار البيضاء سنة 1965 برزت فكرة "التعايش السلمي أو الإعلان عن الحرب"، علما أن الموقف الرسمي المغربي تأسس منذ البداية على الانطلاق من دعم القضية الفلسطينية والتضامن اللامشروط مع الشعب الفلسطيني من جهة، ومن جهة أخرى، الاعتدال والواقعية في التعامل مع إسرائيل كأمر واقع.

 

وقد أقر الراحل الحسن الثاني بضريبة خاصة على السجائر وتذاكر السينما تذهب مداخيلها إلى الفلسطينيين، وذلك على امتداد عقود من الزمن، كما أرسل قوات مغربيه إلى سيناء والجولان للمشاركة في حرب أكتوبر 1973، لكنه ظل يعتمد لغة الحوار، وفي هذا الإطار أجرى لقاءات سرية عديدة لتسهيل اللقاء بين الإسرائيليين والمصريين، وهذا ما مكن من تهييء ظروف قيام اتفاقية "كامب ديفيد"، والتي انتقدها الحسن الثاني بشدة لأنها لم تلم بالمشكل في شموليته، ورغم ذلك ساهم من جديد في إعداد الظروف للقاء "أوسلوا" بين الفلسطينيين والإسرائيليين سنة 1993، وهذا ما صرح به كل من ياسر عرفات و"سيمون بيريز".

 

ففي عهد الملك الراحل، ظل المغرب يدعم البحث عن السلام العادل في الشرق الأوسط، ويشجع المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية داعيا الجانبين دوما إلى الاعتدال. وفي سنة 1986 اتخذ الملك الراحل خطوة جريئة بدعوة رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، "شمعون بيريز"، وعقب التوقيع على إعلان المبادئ الفلسطينية - الإسرائيلية في سبتمبر 1993، سارع المغرب إلى تفعيل إقامة روابط مع إسرائيل على مستوى مكاتب الاتصال الثنائية (سبتمبر 1994) حتى يتسنى للجالية المغربية اليهودية بإسرائيل التواصل مع وطنها الأم، لكن هذه المكاتب أغلقت سنة 2000 بفعل العنف والإرهاب الصهيونيين في حق الشعب الفلسطيني المنتفض للدفاع عن أرضه.

 

 

القمة العربية 1965

في مارس 2015، بعد 60 عام من عقد القمة العربية الثالثة عام 195، سمحت الرقابة العسكرية الإسرائيلية بنشر التفاصيل الكاملة عن العلاقات السرية بين الموساد والمغرب، التي بدأت في أوائل الستينيات من القرن العشرين، على خلفية طلب المغرب من إسرائيل تقديم المساعدة للمغاربة في تصفية المعارض المغربي المشهور، المهدي بن برقة.

 

قبيل انعقاد القمّة العربيّة في الرباط، حسب صحيفة صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، في تقرير مطول ومفصل، كشفت النقاب عن أنّ العاهل المغربي، الحسن الثاني أمر بتخصيص جناح كامل من الفندق الذي عُقدت فيه القمة العربية لرجال الموساد الإسرائيلي، لكي يتمكنوا من توثيق وقائع المؤتمر، الذي كان مغلقاً في قسمه المهم، ولكن في اللحظة الأخيرة، أصدر الملك تعليماته بإلغاء الخطة، خشية اكتشاف أمر تواجد رئيس الموساد، في ذلك الوقت، مئير عميت ورجاله في الفندق.

 

ولكن عدم تواجد الموساد داخل قاعة المؤتمرات لم تُقلل من أهمية الحدث ومن تداعياته. فبحسب رئيس الموساد آنذاك، الذي تحدّث للصحيفة، فبُعيد انتهاء المؤتمر، حصل الموساد الإسرائيليّ على جميع المعلومات والوثائق والمستندات والخطابات التي أُلقيت في المؤتمر. ولفت في سياق حديثه إلى أنّ القضية الأكثر خطورةً، والتي كُشف النقاب عنها، كانت تتعلّق باستعدادات الجيوش العربيّة لمحاربة إسرائيل.

 

وزاد قائلاً: عندما حصلنا على الوثائق تبينّ لنا أنّ جميع قادة الجيوش العربيّة أكّدوا خلال إلقائهم لكلماتهم في المؤتمر على أنّ الجيوش العربيّة ما زالت بعيدة عن أنْ تكون جاهزةً ومُستعدّةً لخوض الحرب ضدّ إسرائيل. وشدّدّ في سياق حديثه على أنّ هذه المعلومات كانت بالنسبة لإسرائيل أكبر كنز إستراتيجيّ، حيث قام الموساد، الذي يتبع مباشرةً لديوان رئيس الوزراء، بتزويد المستوى السياسيّ بالمعلومات القيّمة عن عدم استعداد الجيوش العربيّة للمُواجهة العسكريّة.

 

وقالت الصحيفة الإسرائيليّة أيضًا، نقلاً عن بروتوكولات الحكومة الإسرائيليّة آنذاك وشعبة الاستخبارات العسكريّة في الجيش الإسرائيليّ (أمان) والموساد، إنّ هذه المعلومات كانت السبب الرئيسيّ في اتخاذ إسرائيل القرار بشنّ الحرب على الدول العربيّة يونيو 1967 وإلحاق الهزيمة النكراء بكلٍّ من مصر وسوريّة والأردن، وبحسب البروتوكولات عينها، التي سمحت الرقابة العسكريّة الإسرائيليّة لمعدّي التقرير الصحافيين الاثنين، رونين بيرگمان وشلومو نكديمون، فإنّ صنّاع القرار في تل أبيب، قرروا استثمار المعلومات في أسرع وقتٍ ممكنٍ لإلحاق الهزيمة بالجيوش العربيّة وإذلال الرئيس المصريّ آنذاك، جمال عبد الناصر.

 

كما كشف التقرير الصحفي، الذي استند أيضًا على مقابلات شخصيّة مع قادة الموساد في ذلك الحين، عن أنّ العلاقات بين المخابرات الإسرائيليّة والفرنسيّة كانت في ذروتها، وأنّ الفرنسيين سمحوا للموساد بإقامة فرع له في باريس، ومن الناحية الأخرى، قام الموساد بمساعدة الفرنسيين في تصفية قادة الثورة الجزائريّة لطرد المُستعمرين الفرنسيين. وتابع التقرير قائلاً إنّ المغرب قدّمت الغالي والنفيس للموساد الإسرائيليّ بهدف الحصول على مساعدته في العثور على المُعارض المشهور مهدي بن برقة وتصفيته. وفعلاً، قال التقرير، قدّم الموساد المساعدة، على الرغم من تباين المواقف بين رئيس الوزراء في ذلك الحين، ليفي إشكول، ورئيس الموساد، مئير عميت، ذلك أنّ تل أبيب خشيت من أنْ يعرف الفرنسيون بأنّ إسرائيل تُشارك في تصفية معارض مغربيّ على الأرض الفرنسيّة، وبذلك تخرق خرقًا فظًّا السيادة الفرنسيّة. وعلى الرغم من المُخاطرة، أضاف التقرير الصحافيّ، فإنّ الموساد ساهم في قتل بن برقة في باريس، حيث قام بتزويد عناصر المخابرات المغربيّة، الذين نفذّوا عملية القتل في 29 أكتوبر 1965 بجوازاتٍ سفرٍ مزيفّةٍ، وبعد أنْ دفنوا بن برقة في إحدى حدائق باريس، قام المغاربة بسكب مادة كيميائيّة على جثثه، حصلوا عليها من الموساد، والتي تؤدّي إلى إتلاف الجثّة بسرعةٍ قصوى. الرئيس الفرنسيّ في ذلك الحين، شارل ديغول، لم يكُن على علم بعملية القتل السياسيّ على أراضيه من قبل أجهزة المخابرات الإسرائيليّة والمغربيّة، ولكنّه عندما علم، أمر فورًا بتفكيك الجهاز السريّ، الموازي للموساد الإسرائيليّ، كما قطع علاقاته مع المغرب نهائيًا. وبحسب التقرير، فإنّ هذه القضية ما زالت تُلقي بظلالها السلبيّة على العلاقات الفرنسيّة-المغربيّة. أمّا بالنسبة للموساد الإسرائيليّ، فقد أمر ديغول بطرد جميع عناصره من الأراضي الفرنسيّة وأغلق الفرع التابع له في باريس، وشدّدّت الصحيفة الإسرائيليّة، على أنّ طرد عناصر الموساد من فرنسا في ذلك الحين لم يكُن الطرد الأخير، بل كانت عمليات طرد أخرى، دون أنْ تُفصح عنها. ولم يكتفِ ديغول بذلك، تابع التقرير الإسرائيليّ، بل إنّه قام خلال العدوان الذي شنتّه إسرائيل في عام 1967، بإصدار أمر حظر تزويد إسرائيل بالأسلحة والعتاد العسكريّ، وخصوصًا قطع الغيار للطائرات الفرنسيّة من طراز ميراج، التي كان سلاح الجو الإسرائيليّ يستخدمها.

 

كما ذكرت الصحيفة أنّ الرئيس الفرنسي ديجول ألقى خطابًا في البرلمان الفرنسي في نوفمبر 1967 وقال فيه إنّ اليهود هم شعبٌ متسلّط، واثقٌ من نفسه، ويشعر بفوقيةٍ كبيرةٍ مقابل الشعوب الأخرى، على حدّ وصفه.

 

وأشارت الصحيفة إلى أنّ انكشاف الأمر في ذلك الحين، كاد أنْ يُطيح برئيس الوزراء ليفي إشكول وبرئيس الموساد مئير عميت، حيث شُكلّت عدّة لجان تحقيق لدراسة تورّط الموساد في اغتيال بن برقة، ولكن في نهاية المطاف، تقرر إخفاء الملّف خشيةً من الفضائح في الداخل وفي العالم برمته، على حدّ تعبير أحد قادة الموساد السابقين. وقامت الرقابة العسكريّة الإسرائيليّة بفرض أمر منعٍ نشرٍ كاملٍ عن القضية، وعندما حاول رئيس تحرير إحدى الصحف الإسرائيليّة وكان اسمها (بول) نشر ما يعرفه عن القضية، تمّ زجّه في السجن بدون محاكمة، ولم تُنشر القضية حتى اليوم.

 

تطبيع العلاقات

 

مئير بن شبات، ضمن الوفد الإسرائيلي في الاتفاقيات الإبراهيمية الموقعة بين المغرب وإسرائيل.

 

وفد أمريكي إسرائيلي يتقدمه مستشار الرئيس السابق وصهره جارد كوشنر في الرباط، ديسمبر 2020.

في 10 ديسمبر 2020، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترمپ عن اتفاق المغرب وإسرائيل على تطبيع العلاقات بينهما. في أعقاب ذلك وقع ترمپ مرسوماً للاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية.

 

لعب بن شبات دوراً في إرساء العلاقات الرسمية بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والبحرين كجزء من الاتفاقيات الإبراهيمية التي رعتها الولايات المتحدة. وفي أكتوبر 2020، انضم إلى وزير الخزانة الأمريكي ستيف منوتشن ومسئولين إسرائيليين وأمريكان آخرين في أول وفد أعمال رسمي إلى الإمارات العربية المتحدة. كما قاد وفداً إسرائيلياً إلى البحرين.

 

لم يكن إعلان تطبيع المملكة المغربية مع إسرائيل مفاجئا بالمرة، إلا لرئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني!

 

ظل سعد الدين العثماني طوال المرحلة الماضية يوزع الكلام على عواهنه ذات اليمين والشمال، معلنا رفضه تطبيع بلاده مع الصهاينة، مؤكداً أن “التطبيع مع إسرائيل يعزز موقف الكيان الصهيوني في مواصلة انتهاك حقوق الشعب الفلسطيني”. كأن الرجل برغم موقعه المتقدم في الدولة كان آخر من يعلم، فالاتصالات للإعداد لإعلان التطبيع زادت سرعتها القياسية في الأشهر الماضية. وفيما كان رئيس الحكومة الأمين العام لحزب العدالة والتنمية (ذي التوجه الإسلامي) يقف أمام شبيبة حزبه ليبلغهم جازماً استبعاد “إشاعة التطبيع”، كان صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وكبير مستشاريه جاريد كوشنر مع فريقه الأمريكي – الإسرائيلي يجتمعون مع مسؤولي الخارجية والاستخبارات المغربية في الرباط للتوافق على آخر اللمسات التقنية وتحديد تاريخ قريب قبل نهاية ولاية الرئيس دونالد ترامب، بإعلان إقامة علاقات دبلوماسية بين أقصى بلد في الخريطة العربية وبين إسرائيل.

 

مما أكده العثماني حينها (24 أغسطس 2020)، أن هناك “خطوطا حمراء بالنسبة للمغرب ملكا وشعبا وحكومة، وأن موقف المغرب ملكا وشعبا وحكومة هو الدفاع عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني والمسجد الأقصى المبارك ورفض أي عملية تهويد أو التفاف على حقوق الفلسطينيين والمقدسيين وعروبة وإسلامية المسجد الأقصى والقدس الشريف”.

 

بعد الإعلان الرسمي لتطبيع المغرب مع إسرائيل، ترقبت الأعين بإشفاق ردة فعل سعد الدين العثماني، لأن أكثر من جهة استبعدت أن يعاكس العثماني الموقف الرسمي للملك، أو سيقدم على مفاجأة الرأي العام بتقديم استقالته مع وزراء حزبه الستة، برغم أن محمد أمكراز، وزير الشغل والإدماج المهني المنتمي لحزب العدلة والتنمية، تسرّع في الإدلاء بتصريح انفعالي إلى قناة “الميادين” اللبنانية، معلنا رفضه التطبيع. مخالفاً توجه السياسة الملكية وهو وزير في حكومة جلالته، ما وضعه هدفا لهجوم الفيسبوكيين الذين طالبوا بإقالته، وانتقدوا إطلالته الرافضة للتطبيع بصفته رئيسا لشبيبة العدالة والتنمية. وعابوا عليه “تعامله مع قناة يمولها حزب الله الذي يتهمه المغرب بالتورط في تدريب وتسليح مليشيات البوليساريو”!.

 

لقد وجد سعد الدين العثماني نفسه محرجا وفي موقف صعب. وانتظر الرأي العام قرابة أسبوع قبل ظهوره مجدداً لكن هذه المرة على قناة “الجزيرة” من الدوحة، للحديث عن مباركته للتطبيع وتبريره لما حصل من تطور يناقض ما صرح به قبل أسابيع قليلة.

 

ولم يتردد آخرون في وصف الحزب الاسلامي الذي يقود الحكومة، بـ”الانتهازية وبيع القضية والنوم في عسل الريع والاستفادة من المال العام”. وبأن سلوكه لا يخرج عن “السلوك الخياني لحركة الإخوان المسلمين”، برغم أن الشيخ أحمد الريسوني، أحد الوجوه البارزة في حزب العدالة والتنمية، هاجم مبادرة التطبيع المغربي- الإسرائيلي، من موقعه رئيساً للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين (خلفا للشيخ يوسف القرضاوي). وكان لموقف الرئيس التركي رجب الطيب أروغان عدم رفضه تطبيع الرباط مع إسرائيل، إشارة قوية أسكتت جزءاً من مؤيدي التيار الإخواني الإسلامي في المغرب وبعض دول المنطقة.

 

أما جماعة “العدل والإحسان” الإسلامية (غير المعترف بها قانونياً)، فقد أدانت في بيان صادر عن “مجلس الإرشاد” قرار التطبيع مع إسرائيل، واعتبرته “خطوة غير محسوبة العواقب”، موضحة أن “هذا القرار يتنافى مع المواقف التاريخية والآنية لهذا الشعب الكريم الداعم لإخوانه في فلسطين، ولحقهم الكامل في تحرير أرضهم والعودة إلى ديارهم”.

 

نادى الطيف اليساري المغربي، بأحزابه وهيئاته الحقوقية ومنظماته المدنية ورموزه السياسية والفكرية، بمناهضة التطبيع مع إسرائيل. وأصدرت فيدرالية اليسار الديمقراطي (الاشتراكية) وحزب النهج الديمقراطي (الماركسي)، ومركزية الكونفدرالية الديمقراطية للشغل (العمالية)، بيانات أوضحت فيها موقفها الرافض للتطبيع ولصفقة مقايضة الصحراء المغربية بالقضية الفلسطينية. وخرج متظاهرون ضد التطبيع في بعض المدن، مثل مكناس والدار البيضاء. واتجهت السلطات إلى منع وقمع الوقفة السلمية التي دعت إليها أكثر من 55 منظمة وهيئة مغربية مناهضة للتطبيع أمام ساحة البرلمان في الرباط، وجرى إقفال العاصمة وتطويق الشوارع المؤدية إلى البرلمان في شارع محمد الخامس، وكان لافتا للإنتباه حضور المحامي اليساري الأستاذ عبد الرحمان بنعمرو برغم سنوات عمره ومرضه، إلى جانب المناضل اليساري والمعتقل السياسي السابق اليهودي المغربي سيون أسيدون يلف عنقه بالكوفية الفلسطينية وبيده علم فلسطين. لكن قوات الأمن قامت بإرغامهما على مغادرة المكان بعد مشادة كلامية وتدافع مع المتظاهرين.

 

وفي الوقت الذي تتجه فيه السلطات المغربية إلى قمع التظاهرات المعارضة للتطبيع، فإنها عمدت إلى حشد حوالي 30 الف في مهرجان كبير بمدينة العيون في الصحراء، نسب تنظيمه إلى حزب الاستقلال، احتفالا بـ”النصر الدبلوماسي التاريخي الذي حققته المملكة” وبقرار فتح قنصلية أمريكية في مدينة الداخلة (في الصحراء).

 

ولم يكن جديدا انضمام الأحزاب المشاركة في الحكومة والممثلة بفرق في البرلمان إلى التصفيق للمقايضة التي أنجزت، باعتراف ترامب بمغربية الصحراء، مع التقليل من أهمية الاعتراف الدبلوماسي العلني للمملكة بإسرائيل.

 

في الوقت نفسه، تحولت بعض صفحات الفيسبوكيين المغاربة إلى منصات تأييد للتطبيع، بل ظهرت حسابات جديدة اختصت في كيل الشتائم والسباب إلى الفلسطينيين وإلى “القومجيين” كما سمتهم. وأعيد نشر صور للزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات يسلم على الرئيس السابق للبوليساريو محمد عبد العزيز، وأخرى لمحمود عباس يتوسط العقيد معمر القدافي ومحمد عبد العزيز، وصورة للسفير الفلسطيني في الجزائر حاملا علم الجمهورية الصحراوية. كل ذلك للقول إن الفلسطينيين خانوننا ولا يستحقون دعمنا، فلنضع أيدينا بيد إسرائيل، وبينهم إخوتنا الإسرائيليون اليهود المغاربة. ولم تفلت السياسية الفلسطينية حنان عشراوي من هجومات المدونين وشتائمهم بعد تدخلها عبر قناة أمريكية هاجمت فيه التطبيع المغربي واصطفت إلى جانب “الشعب الصحراوي”.

 

كما انتشرت تدوينات تقول بأن “الوطن أولا”، وتخون من يرفض التطبيع. وأكثر أصحاب تلك الحسابات من الأمازيغيين الذين أصبحوا في الأعوام الأخيرة يجاهرون بمعاداة العرب وفلسطين، ولا يتأخر متزعمو الحركة الأمازيغية في زيارة إسرائيل وحمل علمها، لذلك طالب بعضهم بجعل يوم إعلان ترامب والتطبيع (10 ديسمبر/كانون الأول) عيدا يضاف إلى الأعياد الوطنية للمملكة!

 

وشهد البرلمان المغربي مداخلات لنواب أشادوا بـ”القرار الحكيم” للمملكة، بل وصل الأمر ببعض النواب إلى المطالبة بقمع كل الرافضين للتطبيع.

 

في المقابل، لم يتراجع المعارضون للمقايضة والتخلي عن فلسطين، في التواجد على مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت فجأة مجالا للمزايدات بالوطنية وتبادل التخوين. واعتبر المرصد المغربي لمناهضة التطبيع في تدوينة نشرت على صفحته بالفيسبوك أن “من تخلى عن فلسطين لا يمكن أن يؤتمن على الصحراء الغربية”. وغلبت التعابير العاطفية المتشنجة على لغة العقل والنقاش الهادئ والمتزن. وقال مدون من الرباط “إن أغلب المؤيدين لقرار الملك هم من زمرة المستعدين دائما للتصفيق والتطبيل و”العياشة” (مرادف تعبير “الشبيحة” و”البلطجية”).

 

وللإشارة فإن القصر هو من يستفرد بملف الصحراء منذ نشأته، أما الأحزاب والهيئات السياسية والنقابية والمدنية فلا يجري استدعاؤها إلا للإخبار والمباركة والتأييد. وقد سبق للملك الراحل الحسن الثاني أن وافق على قرار الاستفتاء في القمة الإفريقية المنعقدة في نيروبي في يونيو/حزيران 1981، من دون الرجوع إلى البرلمان أو الأحزاب، ولما رفض الزعيم الاشتراكي عبد الرحيم بوعبيد تفرد الملك بالقرار تمت محاكمته وسجنه.

 

والأفدح أن الإعلام الرسمي المغربي حرص على تسويق المقايضة كربح كامل وكنهاية لنزاع الصحراء الغربية. وأن الملف تم طيه. وقد انبرت تدوينات ومداخلات عبر مواقع التواصل إلى توضيح حقيقة هذه المزاعم، خلاف ما يدعيه وزير الخارجية ناصر بوريطة وخلفه مجموعة من”المحللين السياسيين” الذين يظهرون على شاشات الفضائيات، ومن بين أصحاب الرأي الآخر المناهض للتطبيع، الباحث المغربي محمد الشرقاوي الخبير السابق في الامم المتحدة، الباحثة فاطمة معروف المقيمة بكندا، أستاذ الفلسفة عبد الرحمان الغندور، نبيلة منيب الأمين العام للحزب الإشتراكي الموحد، المفكر اليساري محمد طالب الحبيب، واليساريون عبد الله الحريف وعبد المنعم أوحتي وجليل طليمات وغيرهم.

 

أميركياً، جرى التشكيك في قانونية إعلان ترامب بمغربية الصحراء، وتساءل البعض حول ما إذا كان الرئيس المنتخب جو بايدن سيحتفظ بالقرار أو يتنصل منه بعد توليه منصبه في كانون الثاني. وقد طالبه مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون إلغاء قرار دونالد ترامب الاعتراف بمغربية الصحراء الغربية لأنه “يقوّض سياسة أمريكية حذرة مضى عليها عقود من النزاع على المنطقة”. وذكرت مجلة “فورين بوليسي” أن إعترف ترامب بسيادة المغرب على الصحراء الغربية “هو تجاهل لثلاثة عقود من دعم الولايات المتحدة لمبدإ تقرير المصير من خلال استفتاء”.

 

أما جريدة الفايننشال تايمز البريطانية فإعتبرت أن اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء الغربية “لا ينشر السلام وإنما يحرّض على الحرب”، في إشارة إلى الخشية من انفلات الأوضاع نحو حرب شاملة بين المغرب والجزائر.

 

يذكر أن مجلس الأمن الدولي سيعقد الاثنين اجتماعا مغلقا، بطلب من ألمانيا، لمناقشة قضية الصحراء الغربية، فيما أرسلت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، إلى الأمين العام للمنظمة الدولية أنطونيو غوتيريس وإلى مجلس الأمن نسخة من إعلان ترامب الذي يعترف “بأن كامل أراضي الصحراء الغربية جزء من المملكة المغربية”

 

في 22 ديسمبر 2020، استقل مئير بن شبات أولى طائرات شركة العال المتجهة من إسرائيل إلى المغرب، مع جارد كوشنر صهر الرئيس الأمريكي، ولدى وصوله الرباط استهل كلمته باللهجة المغربية، قائلا:

 

Cquote2.png    "السلام عليكم، والله يكثر خيركم. نحمدو الله ونشكروه على هاد النهار. مانقدر نخبي وماعندي ما نستر. كل شي باين على وجهي. كلامي كيخرج من فمي وقلبي فرحان. الله يكمل بخير ويفرحكم ويفرحنا كاملين".  Cquote1.png

في 27 يناير 2020، أصدرت وزارة الخارجية الإسرائيلية بياناً أعلنت فيه أنها أعادت افتتاح مقر بعثتها الدبلوماسية في المغرب، وأن سفيرها ديڤيد گوڤرين وصل إلى الرباط اليوم لتولي مهامه. وجاء في البيان أن السفير وطاقمه سيعملون "من أجل التقدم المستمر للعلاقات الثنائية في جميع المجالات، بما في ذلك كل ما يتعلق بالحوار السياسي والسياحة والاقتصاد والعلاقات الثقافية".

 

واعتبر بيان الوزارة هذه الخطوة "يوم احتفال لإسرائيل"، وخصوصا أن المغرب كان قد أغلق في عام 2000 مكتب اتصال في تل أبيب مع بدء الانتفاضة الفلسطينية الثانية. وأشار البيان إلى أن غوفرين وطاقمه، سيعملون "من أجل التقدم المستمر للعلاقات الثنائية في جميع المجالات، بما في ذلك كل ما يتعلق بالحوار السياسي والسياحة والاقتصاد والعلاقات الثقافية". وسبق لگوڤرين أن شغل منصب السفير الإسرائيلي في مصر بين 2016 و2020.

 

 

 

 

العلاقات الاقتصادية

الشركات الإسرائيلية بالمغرب

هناك عدد كبير من الشركات المتواجدة بالمغرب على علاقة وثيقة بشركات إسرائيلية تتحكم فيها طولا ًوعرضاً. ورغم أنه ليس من السهل الكشف عن هذه العلاقة بوضوح، إلا أن هناك بعض الأمثلة البارزة التي تفيد وبامتياز هذا التواجد القوي للمصالح الإسرائيلية بالنسيج الاقتصادي المغربي.

 

ومن بين هذه الأمثلة البارزة شركة زيماك المحدثة بالدار البيضاء سنة 1983. وهي في الحقيقة فرع من فروع شركة زيم للملاحة، التي يمكن للمواطن العادي أن يعاين من حين لآخر حاويات ضخمة لها بميناء العاصمة الاقتصادية، وهي تحمل بوضوح وبأحرف كبيرة رموز الشركة (Z I M). وتساهم الدولة الاسرائيلية في رأسمال الشركة الأم زيم بأكثر من 48 بالمائة، وهي شركة ملاحية تؤمن رحلة بحرية مرة أو مرتين في الشهر بين المدينة الإسرائيلية أشدود وبرشلونة الاسبانية ثم الدار البيضاء. أما شركة تاهال فهي متخصصة في تكنولوجيا الري الزراعي، وقد ساهمت في إقامة مشاريع بمدينتي بنسليمان ووجدة. كما أنشئت شركة ريكافيم سنة 1993 بالمغرب كشركة إسبانية، وهي في الحقيقة فرع لشركة "نيطافيم" الإسرائيلية المتخصصة في التكنولوجيا الفلاحية، قد تم في نفس الفترة إحداث شركة سوبرومان المتخصصة في شتائل الموز والطماطم. أما شركة حيفا شيميكال المتخصصة في الأسمدة فقد اقتصرت على أن تكون ممثلة من طرف الشركة الفلاحية لسوس. ونفس الشيء بالنسبة لشركة "مارشيم" الممثلة من طرف الأومنيوم الفلاحي لسوس. وما هذه سوى أمثلة لشركات بارزة في الصورة، أما المصالح الإسرائيلية الخفية فهي موجودة من خلال الشركات العديدة الأخرى، قائمة رغم عدم ظهورها بالاسم والمسمى.

 

ومن الملاحظ أن القطاعات التي تسجل حضورا بارزا للمصالح الإسرائيلية بالمغرب، هي قطاع الأبناك والخدمات والوساطة وقطاع النقل البحري وقطاعي الفلاحة والسياحة، علما أن هناك اهتماما واضحا في السنوات الأخيرة بالقطاع الفلاحي، ولعل خوصصة أراضي سوجيطا وصوديا، هي فرصة للمزيد من التغلغل الإسرائيلي بالقطاع الفلاحي المغربي، ومن المنتظر أن يتم ذلك تحت غطاء إسباني لا محالة.

 

ومن الشركات المغربية التي تروج منتوجات إسرائيلية بالأسواق المغربية في مجال التكنولوجيا المتقدمة، شركة " إم.تي.دي.إس" (MTDS)، المتواجدة بالرباط و"أنور تيكنولوجي " (ANNOUR TECHNOLOGIE) المتواجدة بالدار البيضاء، وكلاهما مرتبطتان بالشركة الإسرائيلية "شيك بوانت" (CHECK POINT). وسبق لإسماعيل العلوي، عندما كان وزيرا للفلاحة، أن اعترف بوجود شركات مغربية تستورد من هولندة والدانمارك منتوجات مصنوعة بالدولة العبرية. وأكد أحد رجال الأعمال المغاربة، من المهتمين عن قرب بالعلاقات الاقتصادية مع منطقة الشرق الأوسط، أن هناك مجموعة من السلع الإسرائيلية في مجال النسيج والفلاحة والطاقة الشمسية، تم جلبها فعلا من إسرائيل وترويجها بالأسواق المغربية، كما أضاف أن هناك وحدات محلية تقوم بتمثيل شركات إسرائيلية بالمغرب، ومنها "كروماجين" (CHROMAGEN)، وهي شركة إسرائيلية عابرة للقارات متخصصة في سخانات الماء العاملة بالغاز وفي معدات الطاقة الشمسية، ويوجد مقر ممثلها بالدار البيضاء.

 

ومن المعلوم الآن أنه في تسعينات القرن العشرين كثرت الوفود الإسرائيلية التي حلت بالمغرب والوفود المغربية التي اتجهت إلى إسرائيل. فقد حضر رجال أعمال إسرائيليين في سبتمبر 1997 للمشاركة في المؤتمر العالمي للماء الذي انعقد بمدينة مراكش. وتوالت الزيارات سنة 1999 في الخفاء، لتزامنها مع اتساع مدى الجولة الثانية للانتفاضة الفلسطينية. هكذا ظل رواج وترويج المنتوجات الإسرائيلية بالأسواق المغربية، إذ ارتفعت المبيعات الإسرائيلية بالمغرب آنذاك بما قدره 18 بالمائة على أقل تقدير.

 

تقرير هيئة إسرائيلية

لا وجود لعلاقات تجارية بين المغرب وإسرائيل، لأن بلادنا أخذت على عاقتها احترام قرار الجامعة العربية القاضي بمنع أية علاقة بالجانب الإسرائيلي.. هذا هو الموقف الرسمي الذي اعتمده وزير الاقتصاد والمالية للرد على اقتراح المعارضة، وهو ذات الموقف الذي سبق لمدير العلاقات التجارية العالمية بوزارة التجارة أن عبر عنه عندما كشف تقرير إسرائيلي عكس هذا القول، وهو التقرير الصادر عن هيئة (IEICI: Israël Export and International coopération Institute ) الكاشف عن وجود تبادل تجاري بين المغرب وإسرائيل في حدود أقل من مليوني دولار خلال النصف الأول من سنة 2005. ورغم أن هذا الرقم لا يمثل إلا جزءا ضئيلا جدا من القيمة الإجمالية للميزان التجاري المغربي، لكنه يؤكد وجود تبادل.

 

وبعد صدور هذا التقرير أدلت جهات رسمية بأنه إن كان هناك تبادل تجاري، فالأمر يدخل في نطاق التهريب، علما أن كل الجهات الرسمية ذات الاختصاص (الوزارات، مكتب الصرف، الجمارك...) ظلت تقر بعدم وجود علاقات تجارية رسمية مع إسرائيل. وكذلك الأمر بخصوص سنة 2006، إذ أكد تقرير الهيئة الإسرائيلية على أن 46 شركة إسرائيلية صدرت إلى المغرب ما قيمته أكثر من مليوني دولار (20 مليون درهما) في النصف الأول من 2006، وبذلك تحقق ارتفاع قدره 23.5 بالمائة مقارنة بنفس الفترة من سنة 2005. كما أقر هذا التقرير بأن هناك 28 شركة مغربية تعاملت مع شركات إسرائيلية.

 

جاء في تقرير إسرائيلي منذ سنوات، ما مضمونه أنه على الرغم من أن دول المغرب العربي، وخصوصا المغرب، بعيدة جغرافيا عن حقل الصراع العربي الإسرائيلي (الذي أصبح الآن صراعا فلسطينيا إسرائيليا فقط)، إلا أن الدول المغاربية وجدت نفسها في قلب هذا الحقل، وأحيانا أقحم بعض الأشخاص من المنطقة أنفسهم بما يخدم المصلحة الصهيونية بالدرجة الأولى، وبعد أن كانت علاقات الكواليس بين أكثر من عاصمة وأكثر من شخصية مغربية على أعلى مستوى والكيان الصهيوني تبدو في الظاهر كأنها ساخنة، إلا أنه تم الكشف عن جملة من أسرار هذه العلاقات، وهذا ما اعتبرته الدولة العبرية انتصارا دبلوماسيا لصالحها. وهذا ما قصده أحد الوزراء الإسرائيليين بقوله، منذ ، "إن الجليد سيذوب قريبا بين حكومته ومعظم الدول العربية"، وهذا ما كان. لقد أشار التقرير الإسرائيلي أن إسرائيل ظلت تراهن كثيرا على دول المغرب العربي، وذلك لأسباب سياسية واقتصادية وأمنية. وقد لعبت الجاليات اليهودية التي استوطنت دول المغرب العربي (لاسيما المغرب)، دورا كبيرا في تحقيق التقارب بين دولتهم العبرية (التي يسعون حاليا إلى ترقيتها إلى "دولة يهودية") ودول المغرب العربي، علما أن مجموعة من اليهود ذوي الأصول المغاربية (لاسيما اليهود المغاربة) تولوا مناصب حساسة في الكيان الصهيوني. وهذا ما يفسر طرح المغرب نفسه، في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، كوسيط في أوج الصراع العربي الإسرائيلي. فعلا، على مدى سنوات هذا الصراع لعب المغرب أدوارا جوهرية غير معلنة (يمكن الإشارة إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي المغتال، إسحاق رابين، توجه مباشرة عقب توقيعه على اتفاق "غزة – أريحا" إلى الرباط لتقديم الشكر والامتنان للملك الراحل الحسن الثاني). لكن، في واقع الأمر، تراهن إسرائيل على المغرب العربي خصوصا لأسباب اقتصادية وأمنية وجيوسياسية.

 

 

فعلى الصعيد الاقتصادي،، تبرز جل الدراسات الإسرائيلية أن أسواق المغرب العربي تستهلك من المنتوجات الصناعية والزراعية ما يفوق 30 مليار دولار (300 مليار درهم) سنويا، وجل هذه المنتوجات تصل إليها من فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وبلجيكا والبرتغال، وإسرائيل بإمكانها تزويد مختلف الدول المغاربية بنفس البضائع وبكلفة أقل في حالة تكريس التطبيع مع العالم العربي. كما أن تقارير سرية إسرائيلية، كشفت عنها بعض الصحف العبرية، أفادت أن إسرائيل تتطلع بشغف كبير إلى اليورانيوم الجزائري الموجود بمنطقة "تاسيلي" جنوب الجزائر. وتخلص جل الدراسات الإسرائيلية إلى أن الاستهلاك في دول المغرب العربي في توسع مستمر، وسيظل كذلك، باعتبار أن الاقتصاديات المغاربية، في عمومها وجوهرها، ستبقى اقتصاديات استهلاكية على المدى المتوسط البعيد أيضا.

 

 

 

 

مصالح إسرائيل الاقتصادية بالمغرب

هناك مصالح إسرائيلية كثيرة ببلادنا، لاسيما وأن الإسرائيليين تمكنوا من التسرب بمختلف الأشكال في جملة من القطاعات الاقتصادية وتمكنوا من إرساء مصالح أكيدة. ولا يخفى على أحد أن هذه المصالح تساهم، بشكل أو بآخر، في تمويل الآلة الحربية الإسرائيلية.

 

علما أن بعض الجهات ظلت تعلن جهرا أن العلاقات انتهت رسميا مع إسرائيل منذ 23 أكتوبر 2000، في عهد نتنياهو، مع إقفال مكتب الاتصال الإسرائيلي بالرباط ومكتب الاتصال المغربي بتل أبيب، على مختلف الأصعدة ومن ضمنها العلاقات الاقتصادية والتجارية كما قيل آنذاك. وفي هذا الصدد، وجبت الإشارة إلى أنه في تلك الفترة قامت ثلة من الفعاليات المغربية بتوجيه ملتمس للوزير الأول عبد الرحمان اليوسفي لمطالبته أنذاك بمنع استيراد المنتوجات الإسرائيلية وعدم قبول أية سلعة قادمة من مصانع وشركات إسرائيلية إلا أن الوزير الأول لم يول أي اهتمام لهذا المطلب بل تجاهله جملة وتفصيلا، علما أن أكثر من مصدر كشف حينذاك الستار على علاقات تعاون إسرائيلي – مغربي على الصعيد العسكري، وتناسلت التصريحات منذ عقد معاهدة أوسلو سنة 1993، ولم يصدر أي تكذيب بخصوص ما نشر في هذا الصدد. كما أن المتتبعين لشؤون الاستثمار ببلادنا، أكدوا أنه في منتصف تسعينات القرن الماضي لم يفوت الإسرائيليون أي فرصة للاستثمار ببلادنا. آنذاك تم التوقيع على اتفاق بين الخطوط الملكية الجوية وشركة "عال" الإسرائيلية عندما كان اليهودي سيرج برديكو وزيرا للسياحة. و في تلك الفترة تناسلت الأخبار والإشاعات بخصوص الكثير من المشاريع، بين رجال أعمال مغاربة وإسرائيليين رغم أن الكثير منها لم ير النور. ومن ضمنها مشروع "هنا مردخاي" السياحي بآكادير. وكذلك محاولة المجموعة المالية الإسرائيلية "كول بيس بروجكت" إحداث فرع لها بالدار البيضاء من طرف "دافيد عامران"، وهو ضابط سام سابق بالجيش الإسرائيلي. هذا إضافة إلى جملة من المشاريع الاستثمارية في قطاع التجهيزات والتكنولوجيا الفلاحية، وخصوصا فيما يتعلق بتقنيات السقي وتدبير الماء. وفي هذا الإطار تكلفت شركة "تاهال" بتطهير المياه بمدينة بنسليمان قصد استعمالها لسقي ملعب المدينة. كما لوحظ آنذاك حضور بارز لإسرائيليين في مشروع التجارب بآزمور، وتم إحداث شركات ترميم آلات ومعدات السقي والري وشركة للملاحة البحرية، بمساهمة مهمة لأموال إسرائيلية.

 

ومن المعروف الآن، أنه منذ سبعينات القرن العشرين، ظلت الشركات الإسرائيلية تبيع التجهيزات الفلاحية للمغرب، في البداية كانت تتم العمليات مباشرة، وبعد ذلك بواسطة الشركة الهولاندية "سلويس وكروت" وشركات أوروبية أخرى وأغلبها مستقرة بقبرص. علما أن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ساهما في تمويل جزء كبير من اقتناء المنتوجات الإسرائيلية بواسطة قروض منحت للمغرب. وبهذه الطريقة ولجت شركة "نيطافيم" الإسرائيلية إلى الضيعات المغربية في واضحة النهار، وهي التي كانت وراء فضيحة بذور الطماطم الفاسدة المستوردة من إسرائيل، والتي ألحقت أضرارا بالغة بزراعة الطماطم ببلادنا في عدة مناطق مغربية رائدة في إنتاجها. وقد تبين عبر أكثر من مصدر خارجي أن الأمر كان مقصودا ومخططا له.

 

وخلال منتصف الثمانينات وتسعينات القرن العشرين، تمكنت بعض الشركات الإسرائيلية وأخرى أوروبية، مثل شركة "فيف كونترول" الإسرائيلية وشركة "ريكافيم" الإسرائيلية الاسبانية و"زيماك" وشركة "تاهال" وشركة "سوبروما" وشركة "حيفا شيميكال" وشركة مارتيشيم" وغيرها من الشركات الإسرائيلية، من اختراق النسيج الاقتصادي المغربي.

 

الاختراق الإسرائيلي للقطاع الفلاحي المغربي

لم يعد يخفى، على أحد أن تقنيات الري الإسرائيلية اجتاحت القطاع الفلاحي العصري وشبه العصري بالمغرب. إنها تغطي ما يفوق 40 ألف هكتار، علما أن أكثر 65 بالمائة من الفلاحين المغاربة الذين يتعاطون لزراعة البواكر يفضلون، فعلا وفعليا، التجهيزات والتقنيات الإسرائيلية، لاسيما تلك التي يسمونها "بابريلا" و"وادانيلا". إذ أضحى من الصعب بمكان التخلي عنها من طرف الفلاح المغربي. كما أن إحدى الدراسات أقرت بأن 85 بالمائة من الفلاحين المغاربة يستعملون البذور الإسرائيلية.

 

لكن كيف كانت تصل المنتوجات الإسرائيلية إلى السوق المغربية، بفتح أبواب المغرب على مصراعيها، رغم عدم وجود علاقات تجارية رسمية بين بلادنا والدولة العبرية؟ الجواب بسيط للغاية، إن الشركات الإسرائيلية تبيع امتياز تلفيف بضائعها ومنتوجاتها لشركات أوروبية (لاسيما الايطالية والاسبانية)، وهكذا يختفي أثر مصدر السلعة والمنتوج أو لعل الشركات الإسرائيلية تعتمد على إحداث فروع لها بالمغرب عبرها شركات إسبانية وأخرى أوروبية. وهذا ما حصل مثلا بالنسبة لشركة "ريكافيم"، وهي ممثلة في أكثر من مدينة مغربية تابعة للشركة الأم "ريكابير برشلونة" ولكنها في واقع الأمر فرع من فروع شركة "نيطافيم"، وهي شركة إسرائيلية عابرة للقارات. وغالبا ما تصل المنتوجات الإسرائيلية إلى الأسواق المغربية بواسطة الخط البحري الذي تُؤمّنه شركة "زيماك"، التابعة لشركة "زيم" الإسرائيلية التي تنقل المنتوجات من إسرائيل إلى برشلونة أو لشبونة ومن ثمة إلى الدار البيضاء، لتلج الأسواق المغربية بكل حرية وكأنها منتوجات أوروبية. و لا يقف الأمر عند هذا الحد، إذ إن أغلب المساعدات الممنوحة للمغرب من طرف الاتحاد الأوروبي هي بالأساس مرصودة لاقتناء تجهيزات الري الإسرائيلية والتقنيات والآليات والأدوات والمعدات المرتبطة بها. وما دام أن الأمور قد سارت على هذا المنوال، لذلك لم يبادر عبد الرحمان اليوسفي (الوزير الأول آنذاك) للاستجابة، أو على الأقل الإجابة على ملتمس توقيف استقبال المنتوجات والبضائع الإسرائيلية بالمغرب، والذي تم توجيهه من طرف جملة من الفعاليات الديمقراطية المغربية.

 

الزيارات المتبادلة

 

مظاهرات في المغرب احتجاجاً على زيارة بنيامين نتانياهو للمغرب، 24 يناير 2019.

في 4 فبراير 2019، نشرت وسائل الإعلام الإسرائيلية موعد زيارة رئيس وزرائها بنيامين نتانياهو للمغرب. كان الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية، وصف التقارير حول الزيارة المرتقبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى المملكة بمجرد الشائعات.[9]

 

من جانبها أفادت القناة 12 الإسرائيلية بأن زيارة نتنياهو للمغرب، ستتم في موعد قريب من 30 مارس، ومباشرة بعد زيارة البابا فرنسيس إلى المغرب.

 

وفي يناير 2019، قال موقع لو ديسك الفرنسي إن مستشار الأمن القومي الإسرائيلي مئير بن شابات، يقوم بدعم من الولايات المتحدة بالتحضير للقاء بين نتنياهو والملك محمد السادس في المغرب. ورجح الموقع أن ينظر العاهل المغربي في تطوير علاقات أوثق مع إسرائيل دعماً لإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمپ، لأن المغرب يحظى بالدعم الأمريكي في قضية الصحراء الغربية.

التعليقات على خبر: المغرب وإسرائيل.. 6 عقود من التعاون (تسلسل زمني)

حمل التطبيق الأن